9- اغتسالُ الصائمِ وتبرُّده
عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: «كانَ رَسُولُ الله ﷺ يُصْبِحُ جُنُباً ثُم يَغتَسِلُ ثم يَغْدُو إلى المسْجِدِ ورَأسُهُ يَقطُرُ ثم يَصُوم ذَلكَ اليَوم» رواه أحمد( ).
وعَنْ أَبي بَكرِ بنِ عَبدِالرَّحمنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبيِّ ﷺ قَالَ: «لَقَدْ رَأَيتُ رَسُولَ الله ﷺ بِالعَرْجِ يَصبُّ على رَأْسِهِ الماءَ وهُو صَائِمٌ مِنَ العَطَشِ أو من الحَرِّ» رواه أبو داود( ).
قَالَ البُخَاريُّ رَحِمهُ الله تَعَالى: «بَلَّ ابنُ عُمَرَ رَضيَ الله عَنْهُما ثَوباً فَألقَاهُ عَلَيهِ وهُوَ صَائِمٌ، ودَخَلَ الشَّعبيُّ الحمَّامَ وهوَ صائِمٌ، وَقَالَ ابنُ عَباسٍ رَضيَ الله عَنْهُما: لا بأْسَ أَنْ يَتَطَعَّمَ القِدْرَ أَو الشَيءَ، وقَالَ الحسَنُ رَحِمهُ الله تَعَالى: لا بَأْسَ بالمضْمَضَةِ والتَّبَرُّدِ للصَّائم، وقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ t: إِذا كَانَ صَومُ أَحَدِكُمْ فَليُصْبِحْ دَهِينَاً مُتَرجِّلاً، وقَالَ أَنَسٌ t: إِنَّ لي أَبْزنَ أَتَقَحَّمُ فيه وأَنَا صَائِم»( ).
والأَبْزَنُ: الحَوضُ الصَّغِيرُ يُوضَعُ فيهِ الماءُ، وهي كَلِمَةٌ فَارسيَّة( ).
الفوائد والأحكام:
الأول: أَنَّهُ يَجُوزُ للصَّائِم أَنْ يُخفِّفَ الحرَّ والعَطَشَ بِصَبِّ المَاءِ عَلى بَعضِ بَدَنِهِ أو كُلِّهِ، سَواءٌ كَانَ ذَلك في غُسْلٍ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدوبٍ أو مُباح( ).
الثاني: أَنَّهُ يَجوزُ للصَّائِمِ الانْغِماسُ في المَاءِ، لكِن يَنبَغِي له الحَذَرُ مِنْ تَسَرُّبِ شَيءٍ إلى جَوفِهِ( ).
الثالث: أَنَّ تَخفِيفَ ما يَلْحَقُ المكَلَّفَ مِنْ مَشَقَّةِ العِبَادَةِ بأُمُورٍ مَشرُوعةٍ لا يُعَدُ ضَجَراً مِنها، ولا يُشرَعُ التَّنزُّهُ عَنْه.
الرابع: عجزُ الإنْسانِ وَضَعفُه، وحَاجَتُه إلى ما أَنعَمَ اللهُ تَعَالى عَلَيهِ من وَسَائِلِ تَخفِيفِ العَنَتِ والمَشَقَّةِ عَليه.
الخامس: جَوازُ دُخُولِ حَمَّامَاتِ البُخَارِ ونَحوِهَا للصَّائِم، ومَشرُوعِيَّةُ تَطَيُّبِ الصَّائِمِ وادِّهانِهِ وتَجَمُّلِه، فالرَّوَائِحُ لَيسَت من المُفْطِراتِ، ولا تُكرَه للصَّائِم.
السادس: جَوازُ اتخَاذِ الصَّائِمِ حَوْضاً أَوْ بِرْكَةَ ماءٍ أو مَسْبحٍ للتَّبَرُّدِ أو للنِّظَافَةِ، أَو الرِّياضَةِ ولا يُفْطِرُ بذلك.
السابع: يَجوُزُ لمنْ يَطْبَخُ تَذَوُّقُ الطَّعَامِ بِلِسانِهِ مِنْ غَيرِ أَنْ يَبْتَلِعَهُ إذا احْتَاجَ إلى تَذَوُّقِهِ، قَالَ الإمَامُ أَحمدُ رَحِمَهُ الله تَعَالى «أَحَبُّ إليَّ أَنْ يَجتَنِبَ ذَوقَ الطَّعامِ، فإِنْ فَعَلَ لم يَضُرُّه ولا بَأسَ بِهِ»( ). وأَفْتَتْ اللَّجنَةُ الدَّائِمَةُ بِجَوَازِ ذَلك( ).